فصل: ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

ودخلت سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة‏.‏

موت الأمير نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل وولاية ابنه عبد الملك فـي هـذه السنـة مـات الأميـر نـوح بـن نصـر الساماني في ربيع الآخر وكانت ولايته في سنة إِحدى وثلاثين وثلاثمائة وكان يلقب بالأمير الحميد وكان حسن السيرة كريم الأخلاق ولما توفي ملك بعده ابنه عبد الملك بن نوح‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة في ربيع الأول غزا سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم فغنم وقتل ووقع بينه وبين الروم وقعة عظيمة قتل فيها من الفريقين عالم كثير وانتصر فيها سيف الدولة‏.‏

وفيها أرسل معز الدولة سبكتكين في جيش إلى شهرزور فعاد ولم يفتحها‏.‏

وفيها مات محمد بن

  ثم دخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

فيها مات أبو علي بن المحتاج صاحب جيوش خراسان بعد أن عزله الأمير نوح عن خراسان فخرج لذلك عن طاعته نوح ولحق بركن الدولة بن بويه ومات في خدمته‏.‏

ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس وفي هذه السنة أنشأ عبد الرحمن الناصر الأموي مركباً كبيراً لم يعمل مثله وسير فيه بضائع لتبـاع فـي بلـاد الشـرق ويعتـاض عنهـا فلقـي فـي البحـر مركبـاً فيـه رسول من صقليه إِلى المعز العلوي ومعه مكاتبات إِليه فقطع عليهم المركب الأندلسي وأخذهم بما معهم وبلغ المعز فجهز أسطولا إِلـى الأندلـس واستعمـل عليـه الحسـن بـن علي عامله على صقلية فوصلوا إلى المرية وأحرقوا جميع ما في ميناها من المراكب وأخذوا ذلك المركب الكبير المذكور بعد عوده من الإسكندريـة وفيه جوار مغنيات وأمتعة لعبد الرحمن وصعد أسطول المعز إِلى البر فقتلوا ونهبوا ورجعوا سالمين إِلى المهدية ولما جرى ذلك جهز عبد الرحمن أسطولاٌ إِلى بلاد إِفريقية فوصلوا إِليها فقصدهم عساكر المعز فرجعوا إِلى الأندلس بعد قتال جرى بينهم‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

فيها سار سيف الدولة بن حمدان إِلى بلاد الروم فغنم وسبى وفتح عدة حصون ورجع إِلى أذنـة فأقـام بهـا ثـم ارتحـل إِلـى حلـب‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو عمـر محمـد بـن عبـد الواحـد الزاهـد غلـام ثعلب المعروف بالمطرز أحد أئمة اللغة المشاهير المكثرين صحب أبا العباس ثعلباً زماناً فعرف به وللمطرز المذكور عدة مصنفـات وكانـت ولادتـه سنـة إحـدى وستيـن ومائتيـن وكـان اشتغالـه بالعلوم قد منعه عن اكتساب الرزق فلم يزل مضيقَاً عليه وكان لسعة روايته وكثـرة حفظـه يكذبـه أدبـاء زمانـه فـي أكثـر نقـل اللغـة ويقولـون‏:‏ لـو طار طائر يقول أبو عمر المذكور‏:‏ حدثنا ثعلب عـن ابـن الأعرابـي ويذكـر فـي معنى ذلك شيئاً وكان يلقي تصانيفه من حفظه حتى أنه أملى في اللغـة ثلاثيـن ألـف ورقـة فلهـذا الإكثـار نسـب إِلـى الكـذب‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وأربعين وثلاثمائة

في هذه السنة مات السلار المرزبان صاحب أذربيجان وملك بعده ابنه حسان وكان لمرزبان أخ يسمـى وهشـوذان‏.‏

فشـرع فـي الإفسـاد بيـن أولاد أخيه حتى وقع ما بينهم وتقاتلوا وبلغ عمهم وهشـوذان مـا أراد وقـد ذكـر ابـن الأثيـر فـي حوادث هذه السنة أن البحر نقص ثمانين باعاً فظهرت فيـه جزائـر وجبـال لـم تعـرف قبـل ذلـك‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو العبـاس محمـد بـن يعقـوب الأمـوي النيسابـوري المعـروف بالأصـم وكـان عالـي الإسنـاد في الحديث وصحب الربيع بن سليمان صاحب الشافعي وأبو إسحاق إِبراهيم بن محمد الفقيه البخاري الأمين‏.‏

مسير جيوش المعز العلوي إِلى أقاصي المغرب فيهـا عظـم أمـر أبـي الحسـن جوهـر عبـد المعـز فصار في رتبة الوزارة وسيره المعز في صفر هذه السنـة فـي جيـش كثيـف إِلـى أقاصـي المغـرب فسـار إلـى تاهـرت ثـم سـار منهـا إِلـى فـاس فـي جمادى الآخرة وبها صاحبها أحمد بن بكر فأغلق أبوابها فنازلها جوهر وقاتل أهلها فلم يقدر عليها ومضـى جوهـر حتـى انتهـى إلـى البحـر المحيـط وسلك تلك البلاد جميعها ثم عاد إِلى فاس ففتحها عنوة وكان مع جوهر زيري بن مناذ الصنهاجي وكان شريكه في الإمرة وكان فتح فاس في رمضان سنة ثمـان وأربعيـن وثلاثمائـة‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الحسـن علـي بـن البوشجـي الصوفـي بنيسابـور وهو أحد المشهورين منهم‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد من ولد أبي الشوارب قاضي بغداد وكـان مولـده سنـة اثنتيـن وتسعيـن ومائتيـن وأبـو علـي الحسيـن بـن علـي النيسابـوري‏.‏

وأبـو محمد عبد الله الفارسي النحوي أخذ النحو عن المبرد‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو بكر بن سليمان الفقيه الحنبلي المعروف بالنجاد وعمره خمس وتسعون سنة وجعفـر بـن محمـد الخلـدي الصوفـي وهـو مـن أصحـاب الجنيد وفيها انقطعت الأمطار وغلت الأسعار في كثير من البلاد‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وأربعيـن وثلاثمائـة

فيهـا وقـع الخلـف بيـن أولـاد المرزبان فاضطروا إِلى مساعدة عمهم وهشوذان فكاتبوه وصالحوه وقدموا عليه فغدر بهم وأمسك حسان وناصراً ابني أخيه وأمهما وقتلهم‏.‏

في هذه السنة غزا سيف الدولة ابن حمدان بلاد الروم في جمع كثير ففتح وأحرق وقتل وغنم وبلغ إِلى خرشنه وفي عوده أخذت الروم عليه الضائق واستردوا ما أخذه وأخـذوا أثقالـه وأكثـروا القتـل فـي أصحابـه وتخلـص سيـف الدولـة فـي ثلاثمائـة نفـس‏.‏

وكان قد أشار عليه أرباب المعرفة بأن لا يعود على الطريق فلم يقبل وكان سيف الدولة معجباً بنفسه يحب أن يستبد ولا يشاور أحداً لئلا يقال إِنه أصاب برأي غيره‏.‏

وفي هذه السنة أسلم من الأتراك نحو مائتي ألف خركاة‏.‏

وفيها انصرف حجاج مصر من الحج فنزلوا وادياً وباتوا فيه فأتاهم السيـل ليـلاً وأخذهم جميعهم مع أثقالهم وجمالهم فألقاهم في البحر‏.‏

وفي هذه السنة أو قريب من هذه السنة توفي أبو الحسن التيناتي نسبة إِلى التينات وكان عمره مائة وعشرين سنة وله كرامـات مشهـورة‏.‏

وفيهـا مـات أنوجـور بـن الإخشيـد صاحـب مصـر وأقيـم أخوه علي بن الإخشيد مكانه‏.‏

  ثم دخلت سنة خمسين وثلاثمائة

موت صاحب خراسان وفي هذه السنة يوم الخميس حادي عشر شوال تقنطر بالأمير عبد الملك بن نوح الساماني فرسه فوقع عبد الملك إِلى الأرض فمات من ذلك فثارت الفتنة بخراسان بعده وولي مكانه أخوه منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان‏.‏

وفاة صاحب الأندلس وفـي هـذه السنـة توفي عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل في رمضان وكانت مدة إِمارته خمسين سنة ونصفاً وعمره ثلاث وسبعون سنة وكان أبيض أشهل حسن الوجه وهو أول من تلقـب مـن الأموييـن أصحاب الأندلس بألقاب الخلفاء وتسمى بأمير المؤمنين وكان من قبله يخاطبون ويخطب لهم بالأمير وأبناء الخلائف وبقي عبد الرحمن كذلك إلى أن مضى من إِمارته سبع وعشرون سنة فلما بلغه ضعف الخلفاء بالعراق وظهور الخلفاء العلويين بإفريقية ومخاطبتهم بأمير المؤمنين أمر حينئذ أن يلقب بالناصر لدين الله ويخطب له بأمير المؤمنين وأمه أم ولد اسمها مدنة ولما مات ولي الأمر بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن وتلقب بالمستنصر وخلف عبد الرحمن أحد عشر ولداً ذكراً‏.‏

وفي هذه السنة تولى قضاء القضاة ببغداد أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب والتـزم كـل سنـة أن يؤدي مائتي ألف درهم وهو أول من ضمن القضاء‏.‏

وكان ذلك في أيام معز الدولـة بـن بويـه ولـم يسمـع بذلـك قبلهـا ثـم ضمنـت بعده الحسبة والشرطة ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبو شجاع فاتك وكان رومياً وأخذه الإخشيد صاحب مصر من سيده بالرملة وارتفعت مكانته عنده وكان رفيق كافور فلما مات الإخشيد وصار كافور أتابك ولده أنف فاتك من ذلك وكانـت الفيـوم إِقطاعـة فانتقـل وقـام بهـا وكثـرت أمراضـه لوخـم الفيـوم فعـاد إلـى مصـر كرهـاً المرض وكان كافور يخافه ويخدمه وكان المتنبي إِذ ذلك بمصـر عنـد كافـور فاستأذنـه ومـدح فاتك المذكور بقصيدته التي أولها‏:‏ لا خيل عندك تُهديها ولا مـال فليسعد النطق إِن لم يسعد الخال كفاتك ودخول الكاف منقصة كالشمس قلت وما للشمس أمثال ولما توفي فاتك رثاه المتنبي بقصيدته التي أولها‏:‏ الحزن يقلق والتجملُ يردعُ والدمع بينهما عصيٌ طيع ومنها‏:‏ إِنـي لأجبـن مـن فـراق أحبتي وتحس نفسي بالحمام فأشجـع تصفـو الحيـاة لجاهـل أو غافل عمـا مضى منها وما يتوقع ومن يغالط فـي الحقيقـة نفسـه ويسومهـا طلـب المحـال فتطمع تتخلـف الآثـار عـن أصحابهـا حينا ويدركها الفناء فتتبع

  ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين وثلاثمائة

وفي هذه السنة سارت الروم مع الدمستق وملكوا عين زربى بالأمان فقتلوا بعض أهلها وأطلقوا أكثرهم‏.‏

  استيلاء الروم على حلب وعودهم عنها بغير سبب

وفي هذه السنة استولت الروم على مدينة حلب دون قلعتها وكان قد سار إِليها الدمستق ولم يعلم به سيف الدولة إِلا عند وصوله فلم يلحق سيف الدولة أن يجمع وخرج فيمن معه وقاتل الدمستق فقُتل غالب أصحابه وانهزم سيف الدولة في نفر قليل وظفر الدمستق بداره وكانت خارج مدينة حلب تسمى الدارين فوجد الدمستق فيها ثلاثمائـة بـدرة مـن الدراهـم وأخذ لسيف الدولة ألف وأربعمائة بغل ومـن السلـاح مـا لا يحصـى وملكـت الـروم الحواضـر وحصروا المدينة وثلموا السور وقاتلهم أهل حلب أشد قتال فتأخر الروم إِلى جبل جوشن‏.‏

ثـم وقع بين أهل حلب ورجالة الشرطة فتنة بسبب نهب كان وقع بالبلد فاجتمع بسبب ذلك الناس ولم يبق على الأسوار أحد فوجـد الـروم السـور خاليـاً فهجمـوا البلـد وفتحـوا أبوابـه وأطلقوا السيف في أهل حلب وسبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية وغنموا ما لا يوصف كثرة فلما لم يبق معهم ظهر يحمل الغنائم أمـر الدمستـق فأحرقـوا مـا بقـي بعـد ذلـك وأقـام الدمستـق تسعـة أيام ثم ارتحل عائداً إِلى بلاده ولم ينهب قرايا حلب وأمرهم بالزراعة ليعود من قابل إِلى حلب في زعمه‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة استولـى ركـن الدولـة بـن بويـه علـى طبرستـان وجرجـان‏.‏

وفيها كتب عامة الشيعة بأمر معز الدولة على المساجد ما هذه صورته لعن اللـه معاويـة بـن أبـي سفيـان ولعـن مـن غصب فاطمة فدكا ومن منع أن يدفن الحسن عند قبر جده ومن نفى أبا ذر الغفاري ومن أخرج أبا العباس عن الشورى‏.‏

فلما كان من الليل حكه بعض الناس فأشار الوزير المهلبي على معز الدولة أن يكتب موضع المحي لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحد في اللعن إِلا معاوية ففعـل ذلـك‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي ذي القعـدة سارت جيوش المسلمين إِلى صقلية ففتحوا طبرمين وهـي مـن أمنـع الحصـون وأشدهـا علـى المسلميـن بعـد حصـار سبعـة أشهـر ونصف وسميت طبرمين المعزية نسبة إِلى المعز العلوي‏.‏

وفيها فتحت الروم حصن دلوك بالسيف وثلاثة حصون مجاورة له‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي شوال أسرت الروم أبا فراس الحارث بن سعيد بن حمدان من منبج وكان

  ثم دخلت سنة اثنتيـن وخمسيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة توفـي الوزيـر المهلبـي أبـو محمـد وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وكان كريماً عاقلاً ذا فضل‏.‏

وفيها في عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء منشـورات الشعـور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي رضي الله عنهما ففعل الناس ذلك‏.‏

ولم يقدر السنية على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم‏.‏

وفيها عزل ابن أبي الشوارب عن القضاء‏.‏

وأَبطل ما كان التزم به من الضمان‏.‏

وفيها قتل الروم ملكهم وملكوا غيره وصار ابن شمشقيق دمستقاً وفيها في ثامن ذي الحجة أمر معز الدولة بإِظهار الزينة في البلد والفرح كما يفعل في الأعياد فرحاً بعيد غد يرخم وضربت الدبادب والبوقات‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلـاث وخمسيـن وثلاثمائة

في هذه السنة سار معز الدولة واستولى على الموصل ونصيبين بعد أن انهزم ناصر الدولة من بين يديه ثم وقع بينهما الاتفاق وضمن ناصر الدولة الموصل بمال ارتضاه معز الدولة فرحل معز الدولة ورجع إلى بغداد‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وخمسيـن وثلاثمائـة

وفـي هـذه السنـة سـار ملـك الـروم إِلـى المصيصـة فحاصرها وفتحها عنوة بالسيف يوم السبت ثالث عشر رجب ووضع السيف في أهلها ثم رفع السيف وأخذ من بقي أسرى ونقلهم إِلى بلد الروم وكان أهلها نحو مائتي ألف إِنسان ثم سار إِلى طرسوس فطلب أهلها الأمان فأمنهم وتسلم طرسوس وسار أهلها عنها في البر والبحر وسير ملك الروم معهم من يحميهم حتى وصلوا إِلى إنطاكية وجعل جامع طرسوس اصطبلا وأحرق المنبر وعمر طرسوس حصنها وتراجع إِليها بعض أهلها وتنصر بعضهم ثـم عاد ملك الروم إِلى القسطنطينية‏.‏

مخالفة أهل إنطاكية على سيف الدولة بن حمدان في هذه السنة أطاع أهل إنطاكية بعض المقدمين الذين حضروا من طرسوس وخالفوا سيف الدولة وكان اسم المقدم الذي أطاعوه رشيقاً فسار إِلى جهة حلب وقاتل عامل سيف الدولة قرعويه وكان سيف الدولة بميافارقين فأرسل سيف الدولة عسكراً مع خادمه بشارة فاجتمع قرعويه العاعل بحلب مع بشارة وقاتلا رشيق فقتل رشيق وهرب بأصحابه ودخلوا إنطاكية‏.‏

وفي هذه السنة قتل المتنبي الشاعر وابنه قتلهما الأعراب وأخذوا ما معهما واسمه أحمد بن الحسين بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الكندي ومولده سنة ثلاث وثلاثمائة في الكوفة بمحلـة تسمـى كندة فنسب إِليها وليس هو من كندة التي هي قبيلة بل هو جُعْفي القبيلة بضم الجيم وسكون العين المهملة ويقال إِنّ المتنبي كان سقاء بالكوفة وفي ذلك يقول بعضهم يهجو المتنبي بأبيات منها‏:‏ عاش حينا يبيع في الكوفة الما - - ء وحينا يبيع ماء المحيا ثم قدم المتنبي إِلى الشام في صباه واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها وكان من المكثرين لنقل اللغة والمطلعين عليها وعلى غريبها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب حتى قيل إِن الشيخ أبا علي الفارسي صاحب كتاب الإيضاح قال له يوماً‏:‏ كم لنا من الجموع على وزن فعلـى فقـال المتنبـي فـي الحـال‏:‏ حجلـى وظربـى‏.‏

قال أبو علي فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهما ثالثاً فلم أجد وحسبك من يقول في حقه أبو علي هذه المقالة وأما شعره فهـو النهايـة ورزق فيـه السعـادة وإنمـا قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في برية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم فخرج إِليه لؤلؤ نائب الإخشيدية بحمص فأسر المتنبي وتفرق عنه أصحابـه وحبسـه طويـلا ثـم استتابـه وأطلقـه ثـم التحـق المتنبي بسيف الدولة بن حمدان في سنة سبـع وثلاثيـن وثلاثمائـة ثم فارقه واتصل بمصر سنة ست وأربعين فمدح كافوراً الإِخشيدي ثم هجاه وفارقه سنة خمسين وقصد عضد الدولة ببلاد فارس ومدحه ثم رجع قاصداً الكوفة فقتل بقرب النعمانية وهي من الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول قتلته العرب وأخذوا ما معه‏.‏

وفيها توفي محمد بن حبان أبو حاتم بن أحمد بن حبان البستي صاحب التصانيف المشهورة حبان بكسر الحاء المهملة والباء الموحدة ثم ألف ونون‏.‏

خروج الروم إلى بلاد الإسلام في هذه السنة خرجت الروم ووصلوا إلى آمد وحصروها ثم انصرفوا عنها إِلى قرب نصيبين وغنموا وهرب أهل نصيبين ثم ساروا من الجزيرة إِلى الشام ونازلوا إنطاكية وأقاموا عليها مدة طويلـة ثـم رحلـوا عنهـا إِلـى طرسـوس‏.‏

وفـي هـذه السنـة استفك سيف الدولة بن حمدان بن عمه أبا فراس ابن حمدان من الأسر وكان بينه وببن الروم الفداء فخلص عدة من المسلمين من الأسر‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وخمسين وثلاثمائة

موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار في هذه السنة سار معز الدولة إِلى واسط وجهز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين صاحب البطيحة وحصل له إِسهال فلما قوي به عاد إِلى بغداد وترك العسكر في قتال عمران بن شاهين ثم تزايد به المرض بعد وصوله إِلى بغداد فلما أحس بالموت عهد إِلى ابنه بختيار ولقبه عز الدولة وأظهر معز الدولة التوبة وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه وتوفي ببغداد في ثالث عشر ربيع الآخر من هذه السنة بعلة الذرب ودفن بباب التبن في مقابر قريش وكانت إمارته إِحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهراً‏.‏

ولما مات معز الدولة استقر ابنه عز الدولة بختيار في الإمارة وكتب بختيار إِلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين وعودهم إِلى بغداد ففعلوا ذلك وكان معز الدولة مقطوع اليد قيل إِنها قطعت بكرمان في بعـض حروبـه ومعـز الدولة هو الذي أنشأ السعاة ببغداد لأعلام أخيه ركن الدولة بالأحوال سريعاً فنشأ في أيامه فضل ومرعوش وفاقا جميع السعاة وكان كل واحد منهما يسير في اليوم نيفاً وأربعين فرسخاً وتعصبت لهما الناس وكان أحدهما ساعي السنية والآخر ساعي الشيعة ولما تولى بختيار أساء السيرة واشتغل باللعب واللهو وعشرة النساء والمغنيين وبغـى كبائـر الديلـم شرهـاً إِلـى إِقطاعاتهم‏.‏

القبض على ناصر الدولة بن حمدان وفي هذه السنة قبض ابن ناصر الدولة أبو تغلب على أبيه ناصر الدولة وحبسه وكان سبب قبضه أن ناصر الدولة كان قد كبر وساءت أخلاقه وضيق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهـم فضجـروا منـه حتـى وثـب عليـه ابنـه أبـو تغلـب فقبضـه فـي هـذه السنة في أواخر جمادى الأولى ووكل به من يخدمه ولما فعل أبو تغلب ذلك خالفه بعض أخوته فاحتاج أبو تغلب إِلى مداراة بختيار ليعضده فضمن أبو تغلب البلاد لبختيار بألف ألف ومائتي ألف درهم‏.‏

وفاة وشمكير في هذه السنة مات وشمكير بن زيار أخو مرداويج بأن حمل عليه وهو في الصيد خنزير مجـروح فقامـت بـه فرسـه فسقـط إلى الأرض فمات فقام بالأمر بعده ابنه بيستون بن وشمكير بن زيار وقيل إِن موته كان سنة سبع وخمسين في المحرم‏.‏

وفاة كافور وفيهـا مـات كافـور الإخشيدي وكان خصياً أسود من موالي محمد بن طغج الإخشيدي صاحب مصـر واستولـى كافـور علـى ملـك مصـر والشـام بعـد مـوت أولـاد الإخشيـد فإنـه ملـك بعـد الإخشيد ابنه أنوجور والأمر جميعه إِلى كافور ثم مات أنوجور سنة تسع وأربعين وثلاثمائة فأقام كافور أخاه علياً بن الإخشيد فتوفي علي ابن الإخشيد المذكور وهو صغير في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة فاستقل كافور بالمملكة من هذا التاريخ وكان كافور شديد السواد واشتراه الإخشيد بثمانية عشر ديناراً وقصده المتنبي ومدحه وحكى المتنبي قال‏:‏ كنت إِذا دخلت على كافور أنشده يضحك لي ويبش في وجهي إِلى أن أنشدته‏:‏ ولما صار ود الناس خبا جزيـتَ علـى ابتسام بابتسام وصرت أشك فيمـن أصطفيـه لعلمي أنه بعض الأنام قال‏:‏ فما ضحك بعدها في وجهي إِلى أن تفرقنا فعجبت من فطنته وذكائه ولم يزل كافور مستقـلاً بالأمـر حتـى توفـي فـي هـذه السنـة يـوم الثلاثـاء لعشريـن بقين من جمادى الأولى بمصر وقيل كانت وفاته سنة سبع وخمسين ودفن بالقرافـة الصغـرى وكـان يدعـى لـه علـى المنابـر بمكـة والحجاز جميعـه والديـار المصريـة وبلـاد الشـام وكـان تقديـر عمـره خمسـاً وستيـن سنـة ووقـع الخلـف فيمـن ينصـب بعـده واتفقـوا علـى أبـي الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيد وخطب له في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وفاة سيف الدولة وفيها مات سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الربعي وكـان موتـه بحلـب فـي صفـر وحمـل تابوتـه إِلـى ميافارقيـن فدفـن بهـا وكان مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مرضه عسر البول وهو أول من ملك حلب من بني حمدان أخذها من أحمـد بـن سعيـد الكلابـي نائـب الإخشيـد وقيل إن أول من ولى حلب من بني حمدان الحسين بن سعيـد وهـو أخـو أبـي فـراس حمـدان وكـان سيـف الدولـة شجاعـاً كريماً وله شعر فمنه ما قاله في أخيه ناصر الدولة‏:‏ وهبت لك العلياء وقد كنت أهلها وقلت لهم بيني وبين أخي فرق وما كان لـي عنهـا نكـول وإنمـا تجاوزت عن حقي فتم لك الحق وله‏:‏ قد جرى في دمعه دمه فإلى كم أنت تظلمه رد عنه الطرف منك فقد جَرحنـه منك أسهمه كيف يستطيع التجلد من خطرات الوهم تؤلمه ولمـا توفي سيف الدولة ملك بلاده بعده ابنه سعد الدولة شريف وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن حمدان‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو علـي محمـد بـن إِليـاس صاحـب كرمـان‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفي أبو الفرج علـي بـن الحسيـن بـن محمـد بـن أحمـد بـن الهيثـم بـن عبـد الرحمـن بـن مـروان بـن عبـد اللـه بن مروان بن محمـد بـن مـروان بـن الحكـم بـن أبـي العـاص بـن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي الكاتب الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني وجده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشـأ وروى عـن عالـم كثيـر مـن العلمـاء وكـان عالمـاً بأيـام النـاس والأنسـاب والسيـر وكـان علـى أمويتـه متشيعـاً قيـل إِنـه جمـع كتـاب الأغاني في خمسين سنة وحمله إِلى سيف الدولـة فأعطـاه ألـف دينـار واعتـذر إِليـه لـه غيـره مصنفـات عـدة وصنـف كتبـاً لبني أمية أصحاب الأندلس وسيرها إِليهم سراً وجاءه الإنعام منهم سراً وكان منقطعاً إِلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح وكانت ولادته سنة أربع وثمانين ومائتين وأسماء الكتب التي صنفها لبني أمية‏:‏ نسب بني عبد شمس وأيام العرب ألف وسبع مائة يوم وجمهرة النسب ونسب بني سنان‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وخمسيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة استولـى عضد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه على كرمان بعد موت صاحبها علي بن إِلياس‏.‏

قتل أبي فراس بن حمدان وفي هـذه السنـة فـي ربيـع الآخـر قتـل أبـو فـراس وكـان مقيمـاً بحمـص فجـرى بينـه وبيـن أبـي المعالـي بـن سيـف الدولة وحشة وطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فراس إلى صدد فأرسل أبو المعالي عسكر مع قرعويه أحد قواد عسكره فكبسوا أبا فراس في صدد وقتلوه وكان أبو فراس خال أبي المعالـي وابـن عمـه واسـم أبـي فـراس الحارث بن أبي العلا سعيد بن حمدان بن حمدون وهو ابن عـم ناصـر الدولة وسيف الدولة أسر بمنبج كما ذكرناه وحمل إِلى القسطنطينية وأقام في الأسر أربـع سنيـن ولـه فـي الأسـر أشعـار كثيـرة وكانـت منبـج إِقطاعه‏.‏

وقال ابن خالويه‏.‏

لما مات سيف الدولـة عـزم أبـو فـراس علـى التغلـب علـى حمـص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه فأرسله إِليه وقاتله فقتل في صدد وقيل بقي مجروحاً أياماً َ ومات وكان مولده سنة عشرين وثلاثمائة‏.‏

وفي مقتله في صدد يقول بعضهم‏:‏ فسقيا لهـا إِذ حـوت شخصـه وبعـداً لهـا حيـث فيهـا ابتعد غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة مات المتقي لله إِبراهيم بن المقتدر في داره أعمى مخلوعاً ودفن فيها‏.‏

وفيها توفي علي بن قيدار الصوفي في النيسابوري‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

ملك المعز العلوي مصر فـي هـذه السنـة سيـر المعز لدين الله أبو تميم معد بن إِسماعيل المنصور بالله ابن القائم محمد بن المهدي عبيد الله القائد أبا الحسين جوهر أغلام والده المنصور وجوهر رومي الجنس فسار جوهر المذكور في جيش كثيف إلى الديار المصرية فاستولى عليها وكان سبب ذلك أنه لما مـات كافـور الإِخشيـدي اختلفـت الأهـواء فـي مصـر وتفرقـت الـآراء فبلـغ ذلـك المعـز فجهّـز العسكر إِليها فهربت العساكر الإِخشيدية من جوهر المذكور قبل وصوله ووصل القائد جوهر إِلـى الديـار المصرية سابع عشر شعبان وأقيمت الدعوة للمعز في الجامع العتيق في شوال وكان الخطيـب أبـا محمـد عبـد الله بن الحسين الشمشاطي وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة قدم جوهر إِلى جامع ابن طولون وأمر فأذن فيه بحي على خير العمل ثم أذّن بعده بذلـك فـي الجامـع العتيـق وجهـر فـي الصلـاة ببسـم الله الرحمن الرحيم ولما استقر جوهر بمصر شرع في بناء القاهرة‏.‏

ملك عسكر المعز دمشق وغيرها من البلاد ولما استقر قدم جوهر بمصر سيّر جمعاً كثيراً مع جعفر بن فلاج إلى الشام فبلغ الرملة وبها للحسن بن عبد الله بن طغج وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لعسكر المعز وأسر ابن طغج وغيره من القواد فسيرهم جوهر إِلى المعز واستولى عساكر المعز على تلك البلاد وجبوا أموالها‏.‏

ثم سار جعفر بن فلاج بالعساكر إِلى طبرية فوجد أهلها قد أقاموا الدعوة للمعز قبل وصوله‏.‏

فسار عنها إِلى دمشق فقاتله أهلها فظفر بهم وملك دمشق ونهب بعضهما وكف عن الباقين وأقام الخطبة يوم الجمعة للمعز لديـن اللـه العلـوي لأيـام خلـت مـن المحـرم سنـة تسـع وخمسيـن وقطعت الخطبة العباسية وجرى في أثناء هذه السنة بعد إِقامة الخطبة العلوية فتنة بين أهل دمشق وجعفر بن فلاج ووقع بينهم حروب وقطعوا الخطبة العلوية ثم استظهر جعفر بن فلاج واستولى على دمشق فزالت الفتن واستقرت دمشق للمعز لدين الله العلوي‏.‏

اختلاف أولاد ناصر الدولة وموت أبيهم كان أبو تغلب وأبو البركات وأختهما فاطمة أولاد ناصر الدولة من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية وكانت مالكة أمر ناصر الدولة فاتفقت مع ابنها أبي تغلب وقبضوا على ناصر الدولة على ما ذكرناه وكان لناصر الدولة ابن آخر اسمه حمدان كان ناصر الدولة قد أقطعه الرحبة ومارديـن وغيرهمـا فلمـا قبـض ناصـر الدولـة كاتـب ابنـه حمـدان يستدعيـه ليتقوى به على المذكوريـن فظفـر أولـاده بالكتـاب فخوفـوا أباهـم وحـذروه وبلـغ ذلك حمدان فعادى أخوته وكان أشجعهم ولما خاف أبو تغلب من أبيه ناصر الدولة نقله إِلى قلعة كواشي وحبسه بها وبقي ناصر الدولة محبوساً بها شهوراً ومات ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمـدون بـن الحـارث بـن لقمان التغلبي المذكور بقلعة كواشي في ربيع الأول من هذه السنة ووقع بين حمدان بن ناصر الدولة وبين أخويه أبي تغلب وأبي بركات حروب كثيرة قتل فيها أبو البركات قتله أخوه حمدان‏.‏

ثم قوي أبو تغلب على أخيه حمدان وطرده عن بلاده واستولى عليها وكان يلقب أبو تغلب بن ناصر الدولة المذكور عدة الدولة الغضنفر أبا تغلب‏.‏

ما فعله الروم بالشام فـي هذه السنة دخل ملك الروم إِلى الشام ولم يمنعه أحد فسار في البلاد إلى طرابلس وفتح قلعة عرقة بالسيف ثم قصد حمص وقد أخلاها أهلها فأحرقهـا ورجـع إِلـى بلـاد الساحـل فأتـى عليهـا نهباً وتخريباً وملك ثمانية عشر منبراً وأقام في الشام شهرين ثم عاد إِلى بلاده ومعه من الأسرى والغنائم ما يفوق الحصر‏.‏

استيلاء قرعويه على حلب في هذه السنة استولى قرعويه غلام سيف الدولة على حلب وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي شريف بن سيف الدولة بن حمدان منها فسار أبو المعالي إِلى عند والدته بميافارقين وأقام عندها ثم جرى بينهما وحشة ثم اتفقا بعدها ثم سار أبو المعالي فعبر الفرات وقصد حماة وأقام بها‏.‏

وفي هذه السنة طلب سابور بن أبي طاهر القرمطي من أعمامه أن يسلموا الأمر إِليه فحبسوه ثم أخرج ميتاً في منتصف رمضان‏.‏